​​​​​​​ترجمة إسماعيل فايد​

سيرة الفنان

لمع نجم عبد الهادي الجزار رغم حياته المهنية القصيرة ولكن غزيرة الإنتاج، ليكون من أهم الفنانين المصريين في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. بدأ الرسم بأسلوب شعبي متأثراً بالسريالية والتقاليد، ونقوش من المشاهد الحضرية للقاهرة والمعتقدات الدينية الشعبية. ولكنه انتقل إلى الصور الحداثية لآلات مستحيلة التحقيق، والأسفار الفضائية، في فترة لاحقة من حياته. أثّر تعليمه في مصر وفي الخارج بشدة على فنه وكيفية تطوره على مر عقدين من الزمن.

ولد الجزار في الإسكندرية، مصر، في 1925، ولكنه انتقل إلى القاهرة في 1936 عندما تقلّد والده، وكان عالم دين، منصباً في جامعة الأزهر. استقرت الأسرة في حي السيدة زينب الشعبي، الذي يقع بين قاهرة العصور الوسطى وقاهرة الحداثة. وبالتالي نشأ الجزار مترسخاً بالتقاليد الدينية الحضرية: الموالد التي تحتفل بالأولياء الصالحين، والتصورات الصوفية للطبقات الشعبية. ولكنه كان أيضاً ابن الطبقة المتوسطة الحضرية والتي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بنظام التعليم المصري.

بدأ الجزار حياته الأكاديمية بدراسة الطب ولكنه تركها والتحق بكلية الفنون الجميلة بالقاهرة في 1945، وانضم إلى طلبة آخرين بما فيهم سمير رافع، وحامد ندا، وماهر رائف، وكمال يوسف، وإبراهيم مسعودة، وسالم الحبشي (المعروف باسم موجلي) ومحمود خليل لتكوين جماعة الفن المعاصر تحت رعاية حسين يوسف أمين. قدّم هؤلاء الفنانون الشباب أيدولوجية فنية خاصة، تنصب على الرجوع إلى هويتهم المصرية في أعمالهم. استخدم أسلوب الجزار المبكر مواضيع تقليدية وصوفية، أطلق عليها الناقد الفني صبحي الشاروني تسمية "الأساطير الشعبية"، بنمط تشخيصي واضح يؤكد على "الهوية المصرية" مع حسّ اجتماعي تجلى بالاهتمام بالفقراء والمهمشين. واكب هذا الأسلوب بشكل مثالي مناخ 1952 وثورة الضباط الأحرار التي روجت لمُثل الوحدة العربية والاشتراكية. ونتيجة لذلك، عرض الجزار في 1952 و1956 و1960 في بينالي البندقية كفنان رسمي من مصر، وحصل على منح دراسية من الحكومة للعمل والدراسة.

في عام 1958 التحق الجزار بمعهد الترميم المركزي بروما في إيطاليا. ولمدة ثلاث سنوات درس وتفوق في مواد الترميم والرسم وتاريخ الفن والعلوم، ضمن مجموعة دولية من الطلبة. سافر عدة مرات إلى أوربا خلال تلك الفترة، وزار المتاحف والكنائس والمعارض الفنية. وحالما انخرط في الدراسة الفنية والعلمية الأوروبية تغيّر أسلوبه في الرسم. فبدلا من صور القاهرة الحضرية، أنتج الجزار رسومات لآلات مستحيلة التحقيق ومواضيع حول التكنولوجيات المعقدة والفضاء الخارجي.

يمثل ذلك التحول عمله الأشهر، "الميثاق" (1962)، حيث أنه يحتوي على عناصر من "الأساطير" السابقة مع أحدث المشاهد العصرية وتأثيرات التكنولوجيا. من جهة يتبنى العمل رسالة قومية من خلال تمثيله لإنجازات حقبة عبد الناصر، وبالأخص الاسم الذي نسب إليه العمل، "الميثاق الوطني"، والذي وضع سياسيات مصر الاشتراكية الجديدة. ولتمثيل التوازن الجديد بين الصناعة والزراعة، يحيط فلاح تقليدي وعامل حديث لسيدة خضراء لون البشرة ترتدي قلادة عليها شعار علم مصر. وتظهر في الخلفية رموز قوة مصر الاقتصادية والتكنولوجية: قناة السويس والسد العالي بأسوان. ورغم أن الجزار، مثل فنانين سابقين،  يستخدم استعارة لسيدة ليرمز بها إلى مصر، تبدو هذه الصورة عقيمة وفارغة - رمز فارغ. تعبّر هذه السيدة، والانتقال الأوسع نطاقاً لدى الجزار إلى تصوير التكنولوجيا، عن خيبة أمل إزاء الخلل المتزايد للنظام الناصري وانعزاليته.

بعد العودة إلى مصر من إيطاليا في 1961، توفي الجزار عن عمر يناهز الأربعين عاما في 1966. كان يدرّس في كلية الفنون الجميلة، ويتذكر تلاميذه، على سبيل المثال نبيل مصطفى، شعورهم بالصدمة والحزن لوفاته المبكرة. ومازال يحظى باحترام كبير كأحد رواد فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية في مصر، كما يستمر أسلوبه المميز بالتأثير على فنانين جدد.

​​المعارض

المعارض الفردية

المعارض الجماعية

المعارض الدولية