ترجمة فيفيان حمزة​

سيرة الفنان

يُعد داوود قرم، الذي يُعرف كأب للفن الحديث في لبنان، رائداً في تأسيس سوق لرسوم اللوحات الزيتية في القطاع الخاص. ورغم أن قرم قد جرب العديد من الأساليب الفنية كالطبيعة الجامدة والمناظر الطبيعية والمشاهد الحياتية وعدداً كبيراً من المشاهد الإنجيلية ورسوم الشخصيات الدينية، فقد كان أول فنان في بيروت يكسب قوته من خلال رسمه على القماش أو على الورق شخصيات عامة وأفراد من فئة التجار الناشئة في المدينة.

ولد قرم في غوسطا في جبل لبنان، ثم استقرت عائلته بعد ذلك بوقت قصير في قرية والدته في غزير. ويمكن تأريخ بداياته كفنان في العام 1861، عندما اكتشف كاهنان من الكنيسة اليسوعية الايطالية رسومه على بعض الصخور، وظنّا أن الطيور ثلاثية الأبعاد التي رسمها الصبي اليافع واقعية. فُتن الكاهنان بموهبة قرم الطبيعية وعرضا عليه أن يعلم الرسم في المدرسة اليسوعية التبشيرية المحلية مقابل دروس في اللغة الايطالية. وبعد حوالي عقد من التدريس، في نهاية الستينيات من القرن التاسع عشر، تمكن قرم من بيع عدة لوحات إلى الكنيسة المارونية في جبل لبنان ليدفع بثمنها سعر بطاقة سفر إلى روما ولكي يدرس في أكاديمية سان لوكا على أيدي الفنان روبرتو بومبياني.

إختار قرم عام 1878 الاستقرار في بيروت. كانت هذه المدينة جزءاً من الامبراطورية العثمانية وقد شهدت تبدلات جذرية خلال العقود السالفة حيث تحوّلت إلى محور تجاري وسياسي وثقافي في كامل المنطقة. وبالإضافة إلى الطفرة السكانية التي أعقبت الحرب الأهلية عام 1860 في جبل لبنان، شهدث بيروت نمواً كبيراً بفضل العديد من مشاريع البنية التحتية الممولة برعاية مشتركة من قبل الحكومة العثمانية والحكومات الأوروبية. وبالتالي، إنتقل عدد كبير من العائلات إلى  بيروت، من حلب ودمشق وطرابلس وعكّا وصيدا وجبل لبنان لتلتحق بفئة متنامية من عائلات التجار الدمشقية. وضمن هذه الطبقة الناشئة والصاعدة والناشطة من التجار والمثقفين والسياسيين - المعروفين تاريخيا برجال النهضة ـ استطاع قرم أن يبني قاعدته من الزبائن.

رسم قرم شخصيات من بيروت باستخدام الزيت على القماش بشكل أساسي، إلى جانب الباستيل على الورق، وذلك بأسلوبه الخاص: رسوم شخصية، تبسيطية وشكلية، تظهر ثلاثة أرباع الطول على خلفية داكنة، مع تركيز على ملامح الموقع الإجتماعي والمهني للأفراد. استند عمل قرم، من نواح عديدة، على تقليد سائد من قبل للرسوم الشخصية، في اللوحات الزيتية والصور الفوتوغرافية على حد سواء، وكان هذا التقليد مستحباً لدى تلك الفئة في ذلك الوقت. لعل من أكثر رسوم قرم  شهرة رسمان، أحدهما لبطرس البستاني (1894)، والثاني للبابا بيوس التاسع (أوائل 1870)، وكانا بمثابة بطاقة تعريف بفنه.

لم يقتصر عمل قرم على زبائنه في بيروت وجبل لبنان، فقبل أن يؤسس محرفه هناك، قضى فترة في بلجيكا إثر تكليفه من قبل ليوبولد الثاني برسم أفراد الأسرة المالكة. كما سافر عام 1887 إلى الإسكندرية ليرسم بريشته القادة الزعماء هناك وكذلك بعض الوجهاء. ثم دعاه الخديوي عباس الثاني سنة 1894 إلى مصر من جديد لإنجاز رسم شخصي له.

بالإضافة إلى الرسوم الشخصية، أنجز قرم  مجموعة كبيرة من اللوحات الدينية، كان معظمها بتكلفة من الكنيسة المارونية، ولا يزال العديد منها في كنائس جبل لبنان. وفي الواقع كانت الرسوم الزيتية، قبل قرم، من اختصاص رجال الكنيسة الذين كانوا يتتلمذون على أيدي التبشيريات الإيطالية وعلى أيدي رجال دين في كلية روما المارونية التي تم تأسيسها عام 1584 لتوطيد أواصر العلاقات بين الفاتيكان والمجتمعات المسيحية في المنطقة. من بين هؤلاء الكهنة - الرسامين، كما عرفوا، نذكر موسى ديب (توفي عام 1826)، الذي درس في كلية روما المارونية، وإبن أخيه كنعان ديب (توفي عام 1873)، الذي تدرب مع قرم على أيدي الرسام الإيطالي كونستانتين جوستي، وهو رسام إيطالي قدم إلى لبنان مع المجموعة التبشيرية اليسوعية عام 1831. وهكذا، رغم أن أسلوب قرم الأكاديمي ربما كان متأخراً بالنسبة إلى أوروبا، تكمن أهميته في تأسيسه سوقاً محلية للرسوم الشخصية الزيتية التي كانت في السابق حكراً على الشخصيات الدينية. من ناحية أخرى، تدل الأعمال من نوع الطبيعة الصامتة والمناظر الطبيعية والأسلوب النمطي بين أعماله على وجود طلب خاص على اللوحات الزيتية والرسوم على الورق.

في 1912، وسّع قرم مشروعه الفني وساهم بازدياد جمهوره عندما أفتتح "بيت الفن" وهو عبارة عن متجر للمستلزمات الفنية كان متمركزاً بالقرب من دائرة بريد بيروت. أظهر النجاح التجاري الذي حققه هذا المتجر اهتمام الجمهور المتزايد في الفن، ليس على صعيد مشاهدة الأعمال الفنية فحسب، بل في مجال صناعة الفن أيضاً.​

عرض قرم أعماله في الخارج، في مصر وأوروبا، ولا سيما في معرض فرساي لعام 1889 في فرنسا وكذلك في معرض باريس 1990 حيث حاز على جائزة الشرف للتميّز. وشكل حصوله على وسام الإستحقاق اللبناني ووسام المجد العثماني إعترافاً إضافياً بمكانته. توفي قرم عام 1930.

المعارض

​الجوائز وأوسمة التقدير​​

الكلمات الدالة​​​

الفن اللبناني الحديث، رسامو النهضة، اللوحات الدينية المسيحية، الرسم الأكاديمي.

المراجع

ميشال فاني، "Dictionnaire de la Peinture au Liban" (قاموس فن الرسم في لبنان). باريس: منشورات إيسكاليي، 1998.

إدوار لحود، " الفن المعاصر في لبنان". بيروت: دار المشرق، 1974.

الجمعية البريطانية ـ اللبنانية: "Lebanon: The Artist's View, 200 Years of Lebanese Painting" (لبنان: رؤية الفنان، 200 عام من فن الرسم في لبنان)، كتاب المعرض في غاليري كونكورس، مركز بربيكان. لندن: كوارتت بوكس، 1989.

مهى عزيز سلطان، "رواد نهضة الفن التشكيلي في لبنان: قرم وسرور وصليبي"، بيروت: جامعة الكسليك، 2006.

موقع وان فاين آرت باللغة الإنجليزية، "داوود قرم". تمت زيارة الموقع في 18 تشرين الثاني/ نوفمبر 2013. http://www.onefineart.com/en/artists/daoudcorm          

سارة روجرز، "Daoud Corm, Cosmopolitan Nationalism, and the Origins of Lebanese Modern Art" (داوود قرم، الأممي القومي، ومنشأ الفن اللبناني الحديث"، مجلة الدراسات العربية، بالإنجليزية، المجلد 18، العدد 1 (ربيع 2010). 46 ـ 77.

مراجع إضافية

ريشار شاهين، "مائة عام من الفنون التشكيلية في لبنان، 1880 ـ 1980"، المجلدان 1 و2، بيروت: غاليري شاهين، 1980.

سيلفيا نايف، "A la recherche d'une modernité arabe: l'évolution des arts plastiques en Egypte, au Liban et en Irak" (بحثاً عن حداثة عربية: تطور الفنون التشكيلية في مصر ولبنان والعراق)، جنيف: سلاتكين، 1996، ترجمه إلى العربية حسين قبيسي، بيروت: دار أجيال.

ندى الشبوط، "Modern Arab Art: Formation of Arab Aesthetics" (الفن العربي الحديث: تشكل علم الجماليات العربية). غرينسفيل: مطبعة جامعة فلوريدا، 2007.

كيرستين شايد، "Painters, Picture-Makers, and Lebanon: Ambiguous Identities in an Unsettled State" (رسامون، صانعو صور، ولبنان: هويات ملتبسة في دولة غير مستقرة)، أطروحة دكتوراه، جامعة برينستون، 2005.

ستيفن شيهي، "A Social History of Early Arab Photography" (تاريخ اجتماعي لبدايات التصوير الفوتوغرافي)، المجلة الدولية للدراسات شرق الأوسطية، المجلد 39، العدد 2 (أيار/ مايو 2007)، 177 ـ 208.