ترجمة فيفيان حمزة
سيرة الفنان
حين كان لا يزال طفلاً ناشئاً في حي الفضل في بغداد، أبدى كاظم حيدر ولعاً بالرسم. عندما زار الفنان محمد صالح زكي مدرسته الابتدائية وطلب من التلاميذ رسم سمكة، رسم حيدر سمكة بطريقة فريدة من نوعها، وعندما سئل عن سبب رسمه للسمكة بهذا الشكل، أوضح لزكي بأن السمكة لم تكن ماتت بعد.
درس حيدر الأدب في دار المعلمين العليا في بغداد وتابع في الوقت ذاته دروساً ليلية في معهد الفنون الجميلة في بغداد. تخرج من كليهما سنة 1957. سافر إلى لندن في 1959 لمواصلة تحصيله الفني في الكلية المركزية للفنون (حالياً كلية سانت مارتينز المركزية)، حيث حصل على البكالوريوس في الرسم والليثوغرافية والديكور المسرحي. بعد عودته إلى بغداد سنة 1962، باشر بالتدريس في معهد الفنون الجميلة.
كان كاظم حيدر خلال الخمسينات من أعضاء مجموعة فنانين عرفت باسم الرواد، وعلى غرار فنانين آخرين من هذه المجموعة، مثل محمود صبري، ركزت أعماله إلى حد كبير على شخصية العامل المديني. من خلال رسمه العامل بعضلات انسان خارق، وبذراعين وساقين شبه محفورين عبر خطوط نقية ومتينة، بنى حيدر في نموذجه بُعداً أسطورياً يلقي العامل في كفاح بطولي من أجل العدالة. في لوحات مثل "أخبَرنا كيف حدث ذلك" (1957) و"صراع البطل" (1958)، حيث يلقي العامل في مشهد من معركة كربلاء، صوّر حيدر العامل بشكل واضح بوصفه فرداً سياسياً وليس مجرد عنصر اقتصادي ليس إلاّ، في إشارة منه إلى الاحتجاجات العمالية، التي غالباً ما كانت ضد غلاء المعيشة في بغداد، التي قمعتها آنذاك السلطات بعنف.
إثر انقلاب البعث الأول في شباط/ فبراير 1963، بدأ حيدر العمل على سلسلة من اللوحات تستلهم صورها من مراسم العزاء التي تقام سنوياً في ذكرى استشهاد الإمام الحسين. استخدم تقنيات حديثة ومبادئ جمالية مثل التكرار، مستمدة من فنون بلاد الرافدين القديمة، على حد سواء، وذلك في رسمه اللافتات والأشخاص والخيول التي تحيي المواكب وتعيد تمثيل واقعة كربلاء، المعركة التي قتل فيها الإمام الحسين مع عدد من أفراد عائلة الرسول لرفضهم الاعتراف بحق يزيد في الخلافة. في إعادته تشكيلها في اللوحات، لم تصوّر تلك المشاهد الطقوس الشعائرية ولا أحداث المعركة التاريخية. بدلاً من ذلك، بعد خضوعها لنوع من التجريد في الصيغ الرمزية التي أبطلت تغييرات حيدر الجمالية معانيها الشعائرية والتاريخية، أصبحت مشاهد احتفالات العزاء بمثابة مفردات استخدمها الفنان لرواية كفاح شهيد لا اسم له. ووفقاً لتقليد استخدام الشعر في طقوس الحداد على الإمام الحسين، ألّف حيدر قصيدة تروي هذه المعركة بأبيات حديثة، وجعل كل لوحة من السلسلة تتماثل مع أحد أبيات القصيدة. على الرغم من أنها لم تعد تعبر عن استشهاد الإمام الحسين، أبقت مع ذلك مفردات الأشكال المستخدمة في اللوحات، بالاقتران مع القصيدة، على نفس معاني الرثاء ضمن العمل الفني الحديث، وعلى نفس السعي إلى العدالة الذي تنقله مشاهد طقوس الحداد. عرضت المجموعة المتسلسلة، التي تتألف من اثنتين وثلاثين لوحة من مختلف الأحجام، في نيسان/ أبريل 1965 في المتحف الوطني للفن الحديث في بغداد، تحت عنوان "ملحمة الشهيد".
باستمداده موضوع لوحاته من مشاهد طقوس الاحتفالات الشعبية بذكرى استشهاد الحسين، اعتبر كاظم حيدر أنه يواصل محاولته الأولى بتجاوز الحدود التقنية في العمل الفني، من خلال إدخال عناصر خارجية فيه. أولى محاولاته في هذا المجال كانت لوحة "الحمّال" (1955) التي يصوّر فيها عاملاً مدينياً يحمل جذع شجرة نخيل وقد ألصق الفنان على القماشة قطعة من جذع شجرة نخيل حقيقية. أدى إدخاله شجرة النخيل في اللوحة إلى تلاشي المسافة المجازية بين العمل الفني والعالم، بين "صورة" العامل الرازح تحت ثقل حمله والعالم الواقعي في بغداد الحديثة التي يعاني فيها العمال. وعلى نفس النحو في "ملحمة الشهيد"، أدى استحضار مشاهد احتفالات العزاء داخل اللوحة ـ وإن ألغى هذا الاستحضار معاني الرموز التاريخية والشعائرية ـ إلى تلاشي الحدود بين العمل الفني واحتفالات العزاء، من خلال التأثير الذي جعل اللوحات تتشبع بالرثاء وبشهادة طقوس ذكرى استشهاد الحسين. مع ذلك، لم يكن ذلك الرثاء وتلك الشهادة في هذا العمل الفني يستهدفان التعبير عن استشهاد الإمام الحسين، بل عن المعاناة التي نتجت عن الانقلاب البعثي الأول في العام 1963.
واصل كاظم حيدر خلال الستينات والسبعينات تطوير موضوع الشهادة والاستشهاد، غير أنه اتبع طريقاً تتجاوز مشاهد طقوس احتفالات العزاء، نحو استكشاف البعد الأسطوري الذي تنتجه تلك الممارسات الطقوسية. بدا المحتوى السردي في هذه اللوحات الأخيرة بما يجعل هذه الأشكال الرمزية تتجه نحو نوع معيّن من التجريد. إضافة إلى ذلك، أنجز حيدر، مثل العديد من الفنانين العراقيين، بما فيهم ضياء العزاوي، ورافع الناصري، وإسماعيل فتاح وعلاء بشير، أعمالاً تستنكر المجازر التي طالت الفلسطينيين في مخيّم تل الزعتر عام 1976، وعرض قسماً من هذه الأعمال في بينالي الفن العربي الثاني في الرباط، خلال السنة ذاتها. صمم كذلك ديكورات وملابس لعدد من العروض المسرحية من إخراج سامي عبد الحميد وقاسم محمد. غير أنه كان صمم ديكوره الأول قبل ذلك بفترة طويلة، سنة 1950، عندما طلب منه حقّي الشبلي أن يرسم خلفيات مسرحيته "يوليوس قيصر"، ولم ينخرط بجدية في التصميم المسرحي إلا بعد أن التقى بسامي عبد الحميد في لندن حيث كان كلاهما يتابع تحصيله الجامعي.
شارك كاظم حيدر، سنة 1967، بجماعة الزاوية التي لم تدم طويلا والتي نظّمت معرضاً واحداً فقط أتى بمثابة رد من قبل هيئة التدريس في معهد الفنون الجميلة، التي كان عضواً فيها، على نشاطات طلابهم الذين كانوا قد باشروا بالدفع نحو إبداعات تقنية أكثر جذرية. أرجئت هذه الجدالات حول التقنيات بفعل هزيمة 1967 في حرب الأيام الستة مع إسرائيل والتي خلقت عدداً من التساؤلات الجديدة حول آليات تفاعل الممارسة الفنية مع السياسات الإقليمية. رداً على الجدالات حول كل من الشكل والمحتوى التي تبعت ذلك، نظم كاظم حيدر سنة 1971 معرضاً في المتحف الوطني للفن الحديث لأعمال فنانين يافعين، وليد شيت وفيصل لعيبي ونعمان هادي وصلاح جياد وعقيل عبد الرزق، تحت عنوان "الأكاديميون". في نص يقدم المعرض وأعمال الفنانين، سعى حيدر إلى اعتبار مفهوم "الأكاديمي" بصفته ممارسة فنية يكون فيها الخط معروفاً ومخططاً له مسبقا عن طريق المعرفة ـ أي، ممارسة تتضمن فيها الأشكال الجمالية محتوى تأويلي. كان تجديده للمفهوم "الأكاديمي" محاولة منه أيضأ، كما يوضح، لتفسير ما أنجزه، قبل حوالي العقد من الزمن، في "ملحمة الشهيد".
بالإضافة إلى التدريس في معهد الفنون الجميلة، الذي تحول فيما بعد إلى أكاديمية الفنون الجميلة عندما ألحق بجامعة بغداد سنة 1968، وتأليف كتاب تعليمي بعنوان "التخطيط والألوان"، تولى كاظم حيدر مناصب قيادية في عدد من المنظمات الفنية، على المستويين الوطني والإقليمي. شغل منصب نائب رئيس جمعية الفنانين العراقيين ما بين 1968 و 1972. وخلَف خالد الجادر في رئاسة اتحاد الفنانين العرب سنة 1975.
في 1983، تم تشخيص حيدر بسرطان الدم وسافر إلى لندن لتلقي العلاج. ورغم أنه استعاد بعضاً من قوته، إلاّ أن داء السرطان العنيد نال منه، ولم يعد لدى حيدر حينها المال الكافي لمواصلة علاجه. من أجل مساعدته على دفع تكاليف جولة العلاج الثانية، دعاه ضياء العزاوي، الذي كان آنذاك المدير الفني للمركز الثقافي العراقي في لندن، لعرض بعض من لوحاته في المركز. إلى جانب عرض أعماله من السنوات السابقة، أنجز كاظم حيدر سلسلة من اللوحات بالألوان الزيتية تصوّر معاناته مع جسده الآيل إلى الموت. وكأنما ألقى المرض به خارج جسده، رأى حيدر ذلك الجسد كشيء عضوي وآلي في آن معا، كمشهد مكوّن من الشرايين والأوردة، من الأنابيب والفروع المكشوفة والممتزجة مع العالم السريري المؤلف من الأنابيب والأزهار المحيطة به في المستشفى.
جذب المعرض إلى المركز الثقافي أعضاء من الجالية العراقية، ممن كانوا لا يأتون إليه آنذاك لأسباب سياسية، وبيعت كافة اللوحات. استطاع حيدر الحصول على جولة ثانية من العلاج. ثم عاد إلى بغداد حيث استمر في العمل وأنجز رسومات تحضيرية ومخططات لوحات كبيرة بالألوان المائية. غير أنه توفي بعد عودته ببضعة شهور.
معارض مختارة
معرض فردي، المركز الثقافي العراقي، لندن، المملكة المتحدة | 1984 |
رسم عراقي معاصر، المركز الثقافي العراقي، باريس، فرنسا | 1981 |
"المعرض التشكيلي العالمي من أجل فلسطين"، الجامعة العربية، بيروت، لبنان | 1978 |
الأسبوع الثقافي العراقي، الكويت، البحرين، قطر | 1977 |
الفن العراقي المعاصر، المركز الثقافي العراقي، لندن، المملكة المتحدة | ____ |
"فنانون ضد التمييز العنصري"، الرابطة الدولية للفنون التشكيلية، المتحف الوطني للفن الحديث، بغداد، العراق | 1976 |
البينالي العربي الثاني، الرباط، المغرب | ____ |
معرض "فن عراقي معاصر" متحف الفن الحديث في باريس، فرنسا | ____ |
المعرض السنوي السادس عشر لجمعية الفنانين العراقيين، بغداد، العراق | 1974 |
البينالي العربي الأول للفنون، بغداد، العراق | ____ |
غاليري 3، بغداد، العراق | 1973 |
معرض فردي، غاليري 3، بغداد، العراق | ____ |
الفن العراقي المعاصر، مهرجان المربد الشعري، البصرة، العراق | 1971 |
معرض مجموعة الأكاديميين، 1968 المتحف الوطني للفن الحديث، بغداد، العراق | ____ |
المتحف الوطني للفن الحديث، بغداد، العراق | 1970 |
المتحف الوطني للفن الحديث، بغداد، العراق | 1968 |
معرض مشترك مع فلنتينوس كارالامبوس، المتحف الوطني للفن الحديث، بغداد، العراق | 1967 |
معرض مجموعة الزاوية، المتحف الوطني للفن الحديث، بغداد، العراق | ____ |
معرض الفن العربي كاريراس كرافن "إيه"، معرض متجول. القاهرة، المنامة، الكويت، بغداد، عمّان، دمشق، بيروت، لندن، باريس، روما | 1966 |
الفن العراقي المعاصر، معرض متجول، متحف سرسق. روما، بودابست، فيينا، مدريد، لندن، بيروت | 1965 |
غاليري وان، بيروت، لبنان | ____ |
المعرض السنوي الثامن لجمعية الفنانين العراقيين، المتحف الوطني للفن الحديث، بغداد، العراق | ____ |
المعرض السنوي السابع لجمعية الفنانين العراقيين، المتحف الوطني للفن الحديث، بغداد، العراق | 1964 |
معرض "المرفوضات"، الاتحاد النسائي العراقي، بغداد | 1958 |
معرض الرواد، معهد الفنون الجميلة، بغداد، العراق | 1957 |
معرض بغداد، نادي المنصور، بغداد، العراق | ____ |
نادي المنصور، بغداد، العراق | 1956 |
معرض الرواد، معهد الفنون الجميلة، بغداد، العراق | ____ |
"فنانون شبان من الشرق الأدنى"، معرض متجول في الولايات المتحدة الأمريكية | ____ |
معرض فردي، دار المعلمين العليا، بغداد، العراق | 1954 |
معرض فردي، دار المعلمين العليا، بغداد، العراق | 1953 |
معرض فردي في الثانوية المركزية، بغداد، العراق | 1949
|
المفردات الدالة
الفن الحديث في العراق، الرواد، الفن والسياسة.
تصميم الديكور المسرحي (سينوغرافيا)
ملحمة غلغامش، إخراج سامي عبد الحميد
| 1977 |
المتنبي (عادل كاظم)، إخراج إبراهيم جلال | ____ |
الخان (يوسف العاني) | 1976 |
هملت عربيا، إخراج سامي عبد الحميد | 1973 |
صورة جديدة، (يوسف العاني)، إخراج سامي عبد الحميد | 1967 |
الخرابة (يوسف العاني)، إخراج سامي عبد الحميد وقاسم محمد | ____ |
النخلة والجيران، إخراج قاسم محمد | ____ |
بغداد الأزل بين الجد والهزل، إخراج قاسم محمد | ____ |
تاجر البندقية، إخراج سامي عبد الحميد | 1965 |
أنتيغونا (جان آنوي)، إخراج سامي عبد الحميد | ____ |
الحيوانات الزجاجية، إخراج سامي عبد الحميد | ____ |
النسر له رأسان، إخراج سامي عبد الحميد | ____ |
الشريعة، تأليف يوسف العاني، إخراج قاسم محمد | ____
|
كنوز غرناطة، (جيرالدين سكس)، إخراج سامي عبد الحميد | 1964 |
المراجع
سامي عبد الحميد، "لولا كاظم حيدر لما عرفت دور التصميم في العرض المسرحي"، في كتاب "تجربتي في المسرح"، بغداد: دار الشؤون الثقافية العامة، 2000، 34 ـ 40.
ضياء العزاوي، "كاظم حيدر"، نصوص 1، العدد الأول، 1994.
ـــــــــــــــــــــــــ، "الستينات: ازدهار الوعي التشكليلي"، فراديس 5، العدد الرابع، 1992.
أنور الغساني، "كاظم حيدر في ملحمة الشهيد"، الثورة العربية، 7 أيار/ مايو 1965.
مورين علي، The Powerful Art of Kadhim Haider (فن كاظم حيدر المؤثر)، أور، العدد الأول، 1985.
شاكر حسن آل سعيد، "فصول من تاريخ الفن التشكيلي في العراق"، المجلد الثاني، بغداد: وزارة الثقافة والإعلام، 1988.
ـــــــــــــــــــــــــ، "البيانات الفنية في العراق"، بغداد: وزارة الإعلام، 1973.
إبراهيم الزاير، "معرض كامل عن مأساة الحسين"، الثورة العربية، 9 أيار/ مايو 1965.
كاظم حيدر، "التخطيط والألوان". بغداد: وزارة التعليم العالي والبحث العلمي- جامعة بغداد، ١٩٨٤.
كاظم حيدر، "كاظم حيدر: أخاف المجهول والأسلوب هو أنا"، ألف باء، 1984، [أعيد نشرها في: "عراقيون"، الملحق الأسبوعي لصحيفة المدى، المجلد الثامن، العدد 2232، 25 آب/ أغسطس 2011].
نجم حيدر، "عندما يُرسم الموت"، "عراقيون"، الملحق الأسبوعي لصحيفة المدى، المجلد الثامن، العدد 2232، 25 آب/ أغسطس 2011.
أعمال فنية
Unable to display this Web Part. To troubleshoot the problem, open this Web page in a Microsoft SharePoint Foundation-compatible HTML editor such as Microsoft SharePoint Designer. If the problem persists, contact your Web server administrator.
Correlation ID:304e66a1-f483-f046-3131-dbb1664df3db
تغطية إعلامية ومنشورات
Unable to display this Web Part. To troubleshoot the problem, open this Web page in a Microsoft SharePoint Foundation-compatible HTML editor such as Microsoft SharePoint Designer. If the problem persists, contact your Web server administrator.
Correlation ID:304e66a1-f483-f046-3131-dbb1664df3db